جميلٌ أن نعلّم أطفالنا التفريق بين رغباتهم وحاجاتهم، وأن نشرح لهم مفهوم البطاقات الائتمانية وعملها. لكننا إذا أردنا مساعدتهم في بناء عادات جيدة في إدارة المال، فيجب أن نسمح لهم بالتدرب على ذلك، ولا يوجد طرق افضل من التدريب. ومثلما يفيد التدريب في تعلم الموسيقى وتطوير المهارات الرياضية، فإن إتاحة الفرصة للأطفال ليحاولوا مراراً وتكراراً إدارة المال، عن طريق إعطائهم مصروفاً خاصاً أسبوعياً أو شهرياً، يمكن أن يساعدهم على بناء مهارات متطورة واكتساب ثقة بالنفس. وفي حال لم تبدؤوا بعد بإعطاء أطفالكم مصروفهم الخاص، ننصحكم بالقيام بذلك في أقرب فرصة.
ويجدر بالذكر تفاوت الآراء المطروحة حول إعطاء الأطفال مصروفهم الخاص، وتعدد قوائم الإيجابيات والسلبيات المتعلقة بهذا الموضوع، وتنوع الطرق المُقترحة للقيام بذلك؛ وعلى الرغم من أنكم وحدكم أصحاب الحق باتخاذ القرار المناسب لكم ولعائلتكم، فإننا في فيريتي نعتقد أن إعطاء الأطفال مصروفهم الخاص يسمح لهم بخوض تجربة مهمة جداً وتعلّم الكثير منها.
مشاركة القيم العائلية مع الأطفال
قبل أن تبدؤوا بإعطاء أطفالكم مالهم الخاص ليتصرفوا به كيفما شاؤوا، لا بأس بإجراء محادثة معهم حول قيمكم العائلية التي تعتزون بها؛ بما فيها العطاء والادخار والفرق بين إنفاق المال على التجارب المعنوية والسلع المادية.
وعند وجود أي تحفظات حيال بعض الأشياء التي لا تريدونهم أن يبددوا أموالهم عليها، مثل الحلوى أو الوجبات السريعة، فعليكم إيضاح العواقب والتبعات السلبية الناجمة عن قيامهم بذلك.
تعليم الأطفال إدارة أموالهم
يتعلم الأطفال المفاهيم الأساسية للمال، قبل تعلمهم لمفاهيم الجمع والطرح حتى، من خلال شرحكم المبسط لهذه المفاهيم باعتباركم المسؤولين عن جميع التكاليف المالية المتعلقة بحياة أطفالكم.
ويُعد إعطاؤهم مصروفهم الخاص وسيلةً رائعةً لتعليمهم كيفية الإنفاق والادخار وتقديم الصدقات.
ورغم أن الإنفاق لن يكون مشكلةً كبيرةً بالنسبة للأطفال، إلا أنهم بحاجة إلى دعم حقيقي وتشجيع كبير وإرشاد دائم لفهم أهمية الادخار وإعطاء الصدقات.
لا بأس بوقوعهم في بعض الأخطاء أحياناً
يمكنهم أن يتعلموا تبعات الإنفاق بحرية ضمن نظام محدد مسبقاً وبوجود آثار سلبية مناسبة لعمرهم، مما يساعدهم على توظيف هذه التجارب التعليمية للاستفادة منها مستقبلاً؛ فإذا فشلوا مثلاً في ادخار المال الكافي لسداد مصاريف رحلة مقررة سلفاً، دعوهم يختبروا مرارة تفويتها، وحاولوا ألا تضعفوا أمام رغباتهم لكي يتعلموا درسهم.
وتتمثل الخطوة الأولى لتثقيف الأطفال مالياً بتعليمهم كيفية إدارة أموالهم بالشكل المناسب. على سبيل المثال، إذا كان الطفل يحصل على 50 درهماً إماراتياً في الأسبوع، يمكن حينها إرشاده إلى تخصيص 30 درهماً للإنفاق وعشرة دراهم للادخار وعشرة دراهم للصدقة. ومع مرور الوقت، يمكن تسليمه دفة القيادة شيئاً فشيئاً لاتخاذ قراره بتقسيم أمواله بين هذه المصارف بالشكل الذي يريده.
توعية الأطفال حول الاختلاف بين الرغبات والاحتياجات
يدرك جميع الأهالي الذين صحبوا أطفالهم إلى أي متجر حجم التوسل والإلحاح الذي يبديه الأطفال عندما يرون شيئاً هم بحاجة إليه، على حسب قولهم. ولكن عند إعطائهم مصروفهم الخاص، يبدأ الأطفال بتعلم كيفية شراء الأغراض بأموالهم الخاصة، وإدراك القيمة الحقيقية لها، فضلاً عن خوضهم لتجربة الادخار لفترة طويلة بهدف شراء غرض ما. وهذا ما يساعدهم على إدراك الفرق الجوهري بين الحاجة الحقيقية، كشراء أحذية جديدة بعدما ضاقت على أقدامهم الأحذية القديمة، والرغبة، كشراء عملات في-باكس الرقمية للعبة فورتنايت أو التسوق في متجر أمازون.
لذا احرصوا على إيضاح الفرق الكبير لأطفالكم بين حاجاتهم التي تتكفلون بها، كالطعام والمأوى والتعليم واللباس، والمتع الإضافية المسؤولون هم عن شرائها، كرسوم النشاطات أو شراء الدمى أو الألعاب أو الأفلام أو الموسيقى.
ربط المصروف بالأعمال اليومية
تدور بعض الخلافات والانقسامات بين الأهالي والخبراء حول ربط المهام أو الأعمال اليومية بأجر أو راتب خاص؛ حيث يعتقد المناصرون للفكرة أنها تساعد الأطفال على ربط العمل الجاد بكسب المال وتطوير أخلاقيات مهنية سليمة وراسخة، بينما يرى المناهضون لها أن على الأطفال تحمل مسؤولية القيام بأمورهم الشخصية كربط رباطأحذيتهم وترتيب أسرّتهم دون انتظار مقابل مادي.
بالنسبة لنا، نقترح إعطاء الأطفال مصروفهم الخاص لإدارته بأنفسهم، إلى جانب مكافأتهم على تأدية مهام أو أعمال يومية تفوق توقعاتكم وما تنتظرونه منهم كأفراد في العائلة.
فبينما تنتظرون منهم ترتيب أسرتهم وتطالبونهم به، لا بأس بمكافأتهم عند تنظيف الأطباق من تلقاء نفسهم مثلاً.
ويمكنكم وضع قائمة بالأعمال اليومية المناسبة لأعمار الأطفال، التي يمكن لكل فرد في العائلة أداؤها، إضافةً إلى قائمة جانبية بالمهام الإضافية الإيجابية التي تساعد الأطفال على كسب مال إضافي، كترتيب خزانة الملابس أو مجالسة أخ أصغر سناً على سبيل المثال.
وبغض النظر عن الرأي الذي تدعمونه، ينبغي أن توضحوا لأطفالكم جيداً السبب الذي يدفعكم لإعطائهم مصروفهم الخاص، وماذا تنتظرون منهم، وما الذي يمكنهم فعله لتحسين المبلغ الذي يحصلون عليه.
أهمية التثقيف المالي للأطفال
لا بد من تثقيف الأطفال مالياً من خلال الحديث المباشر أو إشراكهم في النشاطات المالية اليومية، إلى جانب دفعهم للتعلم من تجاربهم الخاصة. ويجب على الأهالي عدم تفويت مثل هذه الفرصة التعليمية الثمينة بدافع الخوف من نتائجها أو عدم التأكد من إمكانية الطفل على فهم الهدف منها. ولا داعي لترتيب وقت أو مناسبة خاصة للحديث، بل يمكن ببساطة مشاركة الأطفال في النشاطات اليومية كإعداد قائمة مشتريات البقالة، والتسوق، والتخطيط للإجازات، وتسديد الفواتير المترتبة؛ حيث يتعرفون بذلك على طريقة إدارة المال، ويستلهمون من والديهم طريقة اتخاذهم للقرارات المالية الصحيحة.
وفي الختام، لا يهم حجم المبلغ الذي تعطونه لأطفالكم كمصروف خاص بقدر أهمية كيفية إدارته وطرق التصرف به، إذ يسمح لهم ذلك بخوض تجربة غنية تعلّمهم التعامل المناسب مع المال في الحياة الواقعية. وننصحكم بتحديد ميزانية أسرتكم، وعدد الأطفال الذين ستعطونهم مصروفاً خاصاً، وماذا تتوقعون منهم أن يفعلوا به، مع تحديد المبلغ الذي يمكنكم تخصيصه لهم والالتزام به.