ما هو المعنى الحقيقي للثقافة المالية

ندرك جميعاً أن المال ليس أساس الحياة، إلا أنه أساس العديد من الأمور التي نحتاجها في هذه الحياة؛ ومع ذلك، ما يزال ثلثا سكّان العالم غير ملمين مالياً ويجهلون أبسط مبادئ  الثقافة الماليّة.

ويبقى السؤال الذي يطرح نفسه:هل فات الأوان لنعلم اطفالنا الثقافه الماليه؟

لا يزال من الممكن أن نؤثر على عاداتهم الماليه رغم اعمارهم..

ثبت في الواقع أنّه يمكن للأطفال البدء في تعلّم المفاهيم الأساسية للثقافة المالية منذ سن الثلاث أو الأربع سنوات؛ قبل أن تتشكل سلوكيّاتهم وعاداتهم المالية بين سن السابعة والتاسعة، حين يبدأ الأطفال باستيعاب أقوالنا وتصرفاتنا بما ينعكس على شخصياتهم الخاصة. وهذا يعني أن نسعى دوماً لنكون قدوةً إيجابيةً لهم دون أن تقتصر جهودنا على تثقيفهم فيما يتعلق بالأساسيات وحسب.

ولا نعني أن الوقت قد تأخّر كثيراً بالنسبة للأطفال لتعلم مفاهيم الثقافة المالية في سن التاسعة، إذ يمكن التأثير على عاداتهم المالية في أي عمر؛ رغم الجهد الإضافي الذي يتطلبه الأمر مع المراهقين.

ويمكن بشكل عام القول إن التثقيف المالي يبدأ من المنزل، وكلّما أبكرنا في الانطلاق في هذه الرحلة المالية، كانت نتائجها أعمق وأكثر تأثيراً.

؟ما هي الثقافة المالية

لا تقتصر الثقافة المالية على الذكاء في التعامل مع المال، بل تتمحور حول تطوير السلوكيات والمهارات والمعارف والقدرات التي تمكّن الطفل من تطوير نفسه ليمتلك المسؤولية والقدرة المالية عندما يصبح راشداً.

السلوكيات والمهارات

يمكن للوهلة الأولى أن يعتقد البعض أنّ العديد من السلوكيات والمهارات التي يتم تعليمها للأطفال في إطار التثقيف المالي غير مرتبطة ارتباطاً واضحاً بالمال، رغم أنّ العكس صحيح؛ فضلاً عن أن العديد من هذه السلوكيات مفيدة بمختلف جوانب نمو الأطفال.

لنأخذ الصبر على سبيل المثال، فأهميته لا تقتصر على تعلم الادخار بل تمتد إلى جميع جوانب الحياة. كما يُعدّ استكشاف الأطفال لاهتماماتهم الشخصية طريقةً رائعةً لفهم أنفسهم ومعرفة مكامن شغفهم الحقيقي، فضلاً عن مساعدتهم على اختيار المهن الأنسب لهم في المستقبل.

وبينما يساعدهم تحديد حالات الطوارئ المحتملة على تعلّم كيفية الاستعداد لإحداها، إلّا أنّه يصقل أيضاً قدرتهم على إدارة المخاطر ويرشدهم إلى أهمّية التوفير للأيام الشداد.

وهذا ما قصدناه بأن فوائد الثقافة المالية تمتد إلى ما هو أبعد من المواضيع الخاصة بالمال، حيث يساعد زرع هذه المهارات في الأطفال منذ الأعوام الأولى من عمرهم على حصد الفوائد في مختلف جوانب حياتهم.

المعرفة

عندما نتعلّم شيئاً جديداً، نبدأ عادةً بالمفاهيم الأساسية، وهذا ينطبق أيضاً على موضوع التثقيف المالية للأطفال.

ويختلف ما يمكن للأطفال تعلّمه اختلافاً كبيراً بحسب أعمارهم،.

حيث يمكنهم بين سن الثالثة والخامسة استيعاب المفاهيم الرئيسية، مثل الاحتياجات والرغبات والمدّخرات والوظائف والعطاء وعواقب الخيارات التي يتخذونها؛ في حين يمكن أن نطرح عليهم بين الخامسة والثامنة من عمرهم مواضيع مثل العملات والفواتير وكيفية تحديد الأهداف وآلية عمل البنوك وطرق الاستعداد لحالات الطوارئ.

وبمجرد بلوغهم سن الثامنة إلى الثانية عشرة، تتطوّر لديهم اهتمامات وقدرات تعلّم جديدة تتيح لنا التحدث معهم حول كيفية اتخاذ القرارات وإعداد الميزانيات وغيرها من مواضيع الاستثمار والديون وريادة الأعمال.

وعادةً ما يبدؤون في عمر المراهقة بالتفكير في أنماط الحياة التي يتمنونها وطرق تحقيقها، كما يمكن أن يتعمقوا أيضاً في معاني التضخم والأثر الاقتصادي والمسؤولية الاجتماعية للشركات.

لتنتهي رحلتنا معهم في هذا الموضوع مع استعدادهم لدخول الجامعة والانطلاق في الحياة بمفردهم، إذ لا بد حينها من توضيح أهمّية حسن التمييز وبعد النظر عندما يتعلّق الأمر بالتسويق ودقة المعلومات وإدارة الحسابات وحفظ السجلّات والعقود وغيرها من المواضيع المتعلقة بالدخل ومزايا الوظائف.

القدرات

وفقاً للمجلس الوطني للمعلّمين الماليين (NFEC)، فإنّ القدرة المالية عبارة عن "مزيج من السلوكيات والمعارف والمهارات والكفاءة الذاتية اللازمة لاتخاذ قرارات لكسب الأموال وإدارتها بما يناسب ظروف حياة الفرد على أفضل وجه، وذلك ضمن بيئة مواتية تتوفّر فيها، على سبيل المثال لا الحصر، فرص الوصول إلى الخدمات المالية المناسبة".

وهذا معناه إمكانية التصرّف بالمال وكسبه وإدارته مع اتخاذ قرارات مالية أكثر ذكاءً، الأمر الذي يتطلب مساعدة الأطفال على تعلّم كيفية الادخار، مع منحهم فرص الكسب حتى يتمكّنوا من تعلّم ما يجب عليهم فعله بهذه الأموال.

ويُعتبر ربط المصروف بإنجاز المهام أو الأعمال المنزلية المناسبة لسن الطفل من الطرق المفيدة جدّاً له لتعلم أهمية العمل لكسب المال وفهم قيمة المبالغ التي يتلقّاها. وبمجرّد حصوله على ما يمكن وصفه في حالته بالدخل، يمكن حينها منحه الفرصة لإعداد أهداف الادخار والعمل على تحقيقها أو إيداع بعض الأموال في بطاقة مسبقة الدفع تحت إشراف الوالدين، مما يساعده على تعلّم كيفية إدارة أمواله.


ولا تقتصر إذاً فوائد بناء الذكاء المالي لدى الأطفال على حياتهم المالية المستقبلية وحسب، إذ أنها مهارات وأدوات يمكن تطويرها لمساعدتهم على تطوير أنفسهم حتى سن الرشد بحيث يكونوا حينها قادرين على تحمل المسؤولية في مختلف جوانب حياتهم؛ فضلاً عن المزايا قصيرة الأمد التي يمكن للأطفال الصبورين، الذين يركّزون على تحقيق أهدافهم، الاستفادة منها.

لذلك، في شهر التثقيف المالي هذا، ننصحكم ببدء هذه الرحلة المالية مع أطفالكم من خلال دمج التجارب الواقعية في حياتهم اليومية.