يملك الأطفال قدرات ومهارات كبيرة، وهم قادرون على إنجاز الكثير حتى في سن مبكرة للغاية. ومن المفيد لهم تطويع هذه القدرات للمشاركة في الأعمال العائلية والمنزلية المختلفة.
وتوضح الدراسات أن الأطفال الذين يشاركون في الأعمال المنزلية يملكون ثقة أكبر بالنفس وشعوراً أكبر بالمسؤولية، ويتعلمون كيفية التعامل مع التحديات بشكل أفضل. كما أنهم يتعلمون الاستقلالية والتعاطف مع الآخرين.
لكن يبقى السؤال الاهم للأهل هل يجب أن نقدّم مكافآت مادية للأطفال على إنجاز الأعمال المنزلية؟
يعتقد البعض أنه يجب عدم إعطاء الأطفال مكافآت مادية مقابل المشاركة في الأعمال المنزلية، لأن إنجازها هو واجبٌ على جميع أفراد الأسرة دون استثناء. بينما يرى آخرون أن هذه المكافآت تساعد الأطفال على استيعاب القيمة الفعلية للمال وتسهم في تنمية استعدادهم للعمل في المستقبل.
الحل الأفضل هنا هو في تحقيق التوازن بين الخيارين. أي منح الأطفال مكافآت عند إنجاز بعض الواجبات، وليس جميعها.
فعلى سبيل المثال، لا يجب مكافأة الأطفال يومياً على الواجبات البسيطة، مثل وضع الأطباق المتسخة في الحوض بعد تناول الطعام، ببساطة لأنه يجب عليهم القيام بهذه الواجبات في جميع الأحوال.
وعند تقديم المكافآت للطفل، من الضروري أن نجعله يشعر بأهمية وقيمة المهمة التي يقوم بها لتتولد لديه رغبة داخلية لتأديتها، بدلاً من مجرد الاعتماد على المحفزات الخارجية، مثل الأموال والهدايا وغيرها، والتي تجعل الطفل يبادر للقيام بعمل ما للحصول على المكافأة أو تفادي العقوبة فقط، مثل حرمانه من مشاهدة برامجه المفضلة.
كيفية تقديم المكافآت النقدية:
عندما نقرر تقديم مكافآت مادية للأطفال مقابل القيام بالأعمال المنزلية، هناك بعض النقاط التي علينا الانتباه لها بما فيها عمر الطفل وقدراته، وكيفية توزيع الواجبات بين أفراد العائلة. ويُضاف إلى هذه النقاط الظروف العائلية المختلفة، مثل وجود أحد الوالدين بمفرده في المنزل وحاجته لمساعدة أكبر في إنجاز الواجبات المنزلية. باختصار، من الضروري معرفة طبيعة الواجبات المنزلية ومدى قدرة الطفل على إنجازها.
وعلى الرغم من أن تقديم المكافآت المادية للأطفال مقابل القيام بالأعمال المنزلية يحمل بعض الميزات الإيجابية مثل تعليم الطفل قيمة الأموال.
لكن هناك قواعد معينة يجب على الأهل اتباعها في هذه الحالة لضمان غرس هذه الفوائد لدى الأطفال.
أولاً، من الضروري تحديد الواجبات والمكافآت المرتبطة بها بشكل واضح للأطفال. فمثلاً يمكن أن يكون الواجب وضع الأطباق في غسالة الصحون كل ليلة بعد العشاء، ويمكن للطفل بعد إتمام هذا الواجب استخدام جهاز أيباد لمدة إضافية أو الحصول على مكافأة مادية في نهاية الأسبوع. وبصورة مشابهة، يمكن إعطاء الطفل مهمة فرز الغسيل عدة مرات في الأسبوع، ومن ثم منحه مكافأة مادية عند إتمام الواجب أو الخروج معه خلال عطلة نهاية الأسبوع الى مكانه المفضل.
من الضروري أيضاً تحديد المهام التي تستحق مكافآت فورية، وتلك التي يمكن تقديم المكافأة عليها في وقت لاحق. ويمكن تقديم المكافآت بشكل فوري مقابل الواجبات غير المتكررة والتي تتطلب جهداً أكبر، بينما يمكن مكافأة الطفل بشكل أسبوعي على سبيل المثال مقابل الواجبات المتكررة. والأهم هنا هو إيجاد طرق لتحفيز الأطفال للقيام بواجباتهم المنزلية، وتحديد طبيعة المكافآت وتوقيتها.
كيف نحفّز الأطفال للمشاركة في الواجبات المنزلية؟
يعتمد تغيير السلوك على العادة، أي القيام بنفس الواجب بنفس الطريقة في كل مرة.
التذكير المستمر
يمكننا تحفيز الأطفال عن طريق تذكيرهم بواجباتهم المنزلية بشكل يومي، أو استخدام الرسومات أو الجداول او تطبيق بنكي للاطفال التي تساعدهم على عدم نسيان واجباتهم. وتساعد هذه الطرق الأطفال على اكتساب العادات والالتزام بها دون الحاجة لأي تذكير.
مساعدة العائلة
من الضروري تعزيز شعور الأطفال بالتقدير، من خلال توضيح الدور الذي يلعبونه ضمن العائلة. وتساعد هذه الناحية الأطفال على تنمية الحافز بداخلهم، وتجعلهم يدركون أن مساعدة العائلة واجب على جميع أفرادها.
يحب الأطفال أيضاً الشعور بالانتماء إلى العائلة وبأهمية الأعمال التي ينجزونها.
لذلك فإن التركيز على أهمية دورهم في العائلة يساعد في تعزيز شعورهم بالإنجاز، سواء من خلال المساعدة في تحضير الوجبات أو تقديم الطعام للحيوانات الأليفة أو غيرها.
تحديد الواجبات بشكل واضح
من الضروري تحديد الواجبات المطلوبة من الأطفال بشكل واضح. فعلى سبيل المثال، لا يعني ترتيب الغرفة وضع الأغراض بشكل فوضوي في الخزانة، بينما يجب ترتيب السرير في الصباح بعد الاستيقاظ مباشرة وليس في وقت لاحق من اليوم.
إضافة مزيد من المرح على الواجبات المنزلية
يمكن إضافة المرح على الواجبات المنزلية عن طريق تحويلها إلى ألعاب مسلية. فمثلاً يمكن تحويل ترتيب الغرفة إلى لعبة يتنافس فيها أفراد العائلة لإنجاز المهمة بشكل أسرع. ويساعد المرح الأطفال على القيام بالواجبات بشكل أفضل، ويعزز الارتباط بين الطفل ووالديه.
ما هو العمر المناسب لبدء مشاركة الأطفال في الواجبات المنزلية؟
يمكن للأطفال من عمر الثالثة القيام ببعض الواجبات المنزلية البسيطة، مثل وضع الألعاب والكتب في أماكنها أو وضع الملابس في سلة الغسيل. ويمكن البدء بتنمية هذه العادات لدى الأطفال من جميع الأعمار.
ومن الضروري أن تثير الواجبات اهتمام الأطفال وأن تكون مناسبة لأعمارهم.
وتساعد مشاركة الأطفال في الأعمال المنزلية في عمر مبكرة في تعزيز هذه العادة لديهم مع مرور السنوات.
متى يجب تقديم المكافآت؟
تختلف آلية تقديم المكافآت المادية بين عائلة وأخرى بحسب مفهوم العائلة لواجبات كل فرد. ويمكن أن تختلف المكافآت بين الأطفال بحسب المهارات أو السلوكيات التي يركّز الأهل على تنميتها. فعلى سبيل المثال، يمكن عدم مكافأة سارة على ترتيب سريرها كل يوم، ومكافأة شقيقها سمير على نفس الواجب، لأن هذا النشاط يسهم في تطوير مجموعة محددة من المهارات لديه.
وفي النهاية، يعود الأمر للأب والأم لاختيار ما هو مناسب وتحديد طريقة المكافأة الأفضل لأطفالهم، سواء من خلال المال أو الهدايا أو الثناء أو الفعاليات الجديدة أو المزايا الإضافية.
أهمية التشجيع والثناء
يساعد التشجيع والثناء في بناء عادة إنجاز الواجبات المنزلية لدى الأطفال، كما أنه يزودهم بالتحفيز الداخلي المطلوب دون الحاجة إلى المكافأة.
مع ذلك، من الضروري الثناء على جهد الطفل ومحاولاته لإنجاز الواجبات، بدلاً من التركيز فقط على النتيجة النهائية.
فمثلاً عند تكليف الطفل بترتيب طاولة الطعام، يجب مدحه على المجهود الذي بذله، مهما كانت النتيجة النهائية. وتساعد هذه النقطة على تنمية الحافز الداخلي لدى الطفل وتعزز إدراكه لقدراته الخاصة.
ويجب أخيراً ألا ننسى أن الأطفال يهتمون للغاية بنظرة والديهم لهم، ويحبون استعراض قدراتهم ومهاراتهم أمامهم. لذلك يمكن تعليم الأطفال إنجاز الواجبات المنزلية بشكل مستقل من خلال تحلي الأب والأم بالصبر والاستمرارية، وضمان عدم شعور الأطفال بالملل وتحفيزهم بالمكافآت المناسبة.
بقلم: سيرسا قورشة، أخصائية التربية ونمو الأطفال