كيف يؤثر الاستقلال المادي للأم على شخصية الأطفال ومستقبلهم

من المتعارف عليه منذ القدم وحتى اليوم أن الأم تخصص حياتها بالكامل لخدمة عائلتها وتربية أطفالها ومساعدة زوجها ليتقدم في حياته المهنية، دون أن تتوقع الحصول على أي مقابل مادي. ولا نعلم في الحقيقة إن كانت القواعد الاجتماعية هي السبب وراء لعب المرأة هذا الدور، لكننا نعلم دون شك أن هذه القواعد بدأت تتغير مؤخراً، وبشكل تدريجي.

الحقيقه هي ان الاعتماد على دخل واحد لم يعد كافياً لتلبية متطلبات الحياة العصرية.

 التضخم الاقتصادي وزيادة نسب البطالة  تسبب  المزيد من الضغوطات المالية على العائلة، وتدفع الأم للبحث عن خيارات جديدة لدعم عائلتها.

صحيح أن الاستقلال المادي مهم للرجال والسيدات على حد سواء لأنه يساعدنا على التحكم في حياتنا وتحقيق ما نرغب به.

لكن الاستقلال المادي أكثر أهمية بالنسبة لنا نحن الأمهات، لأنه يؤثر بشكل إيجابي على شخصية أطفالنا ومستقبلهم.

ومن الضروري أن يكون لدى كل امرأة خطة بديلة تضمن لها الاستقرار المادي في كافة مراحل حياتها سواء خلال فترة الأمومة، أو خلال تفرغها لتربية الأطفال، أو خلال مرحلة التخطيط لمشروع جديد، أو حتى أثناء تأدية وظيفة لا تحبها كثيراً لمجرد تأمين دخل ثابت. وتأكدي أن هذه الخطة البديلة هي أفضل هدية يمكنك تقديمها لأطفالك على المدى البعيد.

الاستقلال المالي يساعد الأطفال على التخطيط

بمجرد التفكير قليلاً في الظروف المحيطة بنا، ندرك أن احتمالات حدوث حالات طارئة تتزايد يوماً بعد يوم. فكل يوم نسمع عن شركة جديدة تخلت عن عدد من موظفيها، مما يجعلنا نشعر بعدم الأمان ويزيد من إحساسنا بالقلق. وهنا تأتي أهمية وجود مبلغ مالي احتياطي للظروف الطارئة وأهمية تعليم أطفالنا مهارة التخطيط المالي للمستقبل.

وليس من الصعب تحقيق هذا الهدف. ولا تتطلب البداية مبلغاً ضخماً. كل ما نحتاجه هو التفكير والادخار ثم الاستثمار!

وإليكم الخطوات ببساطة: تخصيص 50% من الدخل للاحتياجات الأساسية، 30% للترفيه، 20% للتوفير.

دعونا نتفق على أننا يجب ألا نشغل الأطفال بمشاكلنا المادية، لأنهم بحاجة للاستمتاع بطفولتهم والحصول على الدلال الذي يستحقونه.

لكن ذلك لا يتعارض أبداً مع ضرورة تعليمهم أهمية النقود وقيمتها، فهذه المهارة ستجعلهم قادرين على تحمل المسؤوليات المادية في المستقبل.  

ويمكننا تدريب أطفالنا على الادخار للحالات الطارئة بأسلوب عفوي وبسيط. فعندما تنكسر اللعبة المفضلة لطفلكم مثلاً أو يضيع هاتفه، يمكنكم بدلاً من الإسراع لشراء لعبة جديدة أو هاتف جديد، الاستفادة من هذه الفرصة وإخبار الطفل أنه لو كان يملك بعض المدخرات، كانت ستنفعه في موقف كهذا. ويمكن عندها تعليم الطفل كيفية الاستفادة من نقوده باتباع قاعدة 50/ 30/ 20%. وهكذا يتعلم الطفل أن ليس كل ما نملكه من نقود مخصص للإنفاق على الفور.  

الأطفال يقلدون كل ما نفعله

أنتِ خير من يعرف أن الأطفال يلاحظون كل صغيرة وكبيرة.

مما يعني أن تعليمهم قيمة النقود وتطوير مهاراتهم المادية وعقليتهم التجارية لا يتطلب منكِ بالضرورة العمل بوظيفة بدوام كامل.

يكفي بدلاً من ذلك أن يكون لديك شغف بفكرة مشروع تجاري، أو هدف تحاولين الوصول إليه. وتأكدي أن الأطفال سيلحظون هذا الشغف ويتعلمون منه، وسيتطور لديهم حب العمل والتفكير الإبداعي.

التواصل هو الأهم

اطلبي من طفلك أن يضع هدفاً يرغب بتحقيقه خلال الستة أشهر القادمة، وأن يسجل الخطوات التي ينجزها في سبيل تحقيق هذا الهدف. يمكن أن يكون هذا الهدف تحسين درجاته في إحدى المواد الدراسية، أو تعلم مهارة جديدة في رياضة ما.

ثم ساعديه على تحديد الخطوات اليومية التي يجب أن ينجزها حتى يصل إلى هدفه.

وحددي له موعداً نهائياً لكل خطوة، ولا تنسي أن تناقشي معه العقبات والتحديات التي يمكن أن تظهر أمامه.

وفي نهاية التجربة، إذا نجح الطفل في تحقيق هدفه، احتفلي معه بهذا الإنجاز وحددي له هدفاً أكبر. أما في حال لم ينجح، امنحيه بعض الوقت ليتخطى حزنه وساعديه على إدراك نقاط الضعف وتحديد ما يجب تحسينه في المرة القادمة. المهم أن يتعلم من هذه التجربة، ليحاول من جديد. وبذلك تتطور لديه مهارة تجاوز العقبات التي يمكن أن تصادفه في حياته.

السعادة حالة معدية

مهما كان العمل الذي تقومين به، تأكدي أن نتائجه ستنعكس إيجاباً على عائلتك.

سواء كنتِ تعملين من المكتب أم من المنزل، أو تتعلمين مهارة جديدة أو تدرسين للحصول على درجة أكاديمية أعلى، كل ذلك يمنحك شخصية مميزة بنظر أطفالك أكثر من كونك مجرد أم.

ويمنحك أيضاً مساحة لتجديد طاقتك والعودة لأطفالك بشوق وسعادة. وهذا سينعكس بالتأكيد على علاقتك مع أطفالك وعلى الوقت الذي تقضينه معهم. لأنك ستصبحين أكثر تشوقاً وحماساً للعب والتواصل والاستماع لحديثهم، وأكثر إدراكاً لقيمة هذه اللحظات المشتركة.

ستتعلم ابنتك الصغيرة في ظل هذه الأجواء كيف تتابع شغفها وتصر على تحقيق أحلامها وبناء شخصيتها المستقلة إلى جانب دورها كأم. وسيتعلم الأولاد أن شريكة حياتهم المستقبلية لديها دور في المجتمع لا يقل أهمية عن دورهم.

كل هدف تحاولين تحقيقه في حياتك المهنية هو خطوة نحو استقلالك المالي. وقدرتك على التحكم بمسار حياتك ستجعلك أماً سعيدة وواثقة بنفسها، وستعلم أطفالك الكثير من الدروس المفيدة في الحياة والعمل وإدارة المشاريع في المستقبل. وستجعلهم أكثر قدرة على معالجة التحيز بين الجنسين! فلا تتردي في تحديد طريقتك الخاصة للوصول إلى الاستقلال المالي، وسارعي لاستكشاف خياراتك من هذه اللحظة.

بقلم: لارا حمدان، المؤسِسة المشاركة لتطبيق Cloudhoods، المنصة الاجتماعية المخصصة لتمكين السيدات