اكتشفتُ خلال تجربتي في تربية أطفالي، صعوبة تعليم الأطفال مفهوم العطاء في سنٍ صغيرة.
فعلى الرغم من سرعة تجاوب الأطفال في هذه السن، إلا أنهم أيضاً يتمسكون كثيراً بممتلكاتهم الشخصية الغالية على قلوبهم ولا يحبون مشاركتها مع أحد.
لكنني استخدمتُ مع طفلي الأكبر أسلوباً خاصاً، فكنتُ أحكي له قصصاً عن أصدقاء أو إخوة ساعدوا بعضهم البعض. ولأن الأطفال ينظرون إلى أهلهم على أنهم القدوة والمثل الأعلى ويقلدون كل تصرفاتهم، كنت أحرص على التبرع والمشاركة في المبادرات والفعاليات المدرسية خلال الأعياد. ولكن الأمر لم يكن بتلك السهولة حين كنت أحاول إقناعه بتقديم بعض ملابسه أو ألعابه لطفل آخر أو لجمعية ما، حيث كان يرفض هذه المحاولات نهائياً ويبدأ بالبكاء. ولا يمكنني لومه على ذلك، فكلنا نعتبر الهدايا التي نتلقاها غالية على قلوبنا!
حاولتُ في المرة الثانية الاستعداد أكثر للتحدث معه في الموضوع على الرغم من انشغالاتي الكثيرة. فأنا أم لطفلين، أحدهما رضيع والآخر بعمر 9 سنوات، ولدي أيضاً جرو صغير أعتني به وشركة ناشئة أديرها، ومررتُ بأوقات صعبة بعد وفاة أحد والدي وتداعيات أزمة كورونا العالمية وغيرها. ونجحتُ في النهاية في التوصل إلى حل لتعليمه هذه التصرفات، من خلال أمثلة بسيطة من الحياة اليومية أُظهر له فيها أهمية التعاطف والاهتمام بالآخرين، ليعتاد مع مرور الوقت على التطوع والعطاء.
الأطفال لا يحبون المشاركة
لا شك أن أزمة كورونا أثرت كثيراً على العديد من التفاصيل في حياتنا. فساهمت من جهة في زيادة اهتمامنا بأفراد العائلة المقربين وتقديرنا لكل لحظة نقضيها معهم. لكنها أجبرتنا في الوقت نفسه على الابتعاد عن أجدادنا كبار السن وعلى التفاعل مع الأصدقاء من وراء الشاشات ومنعت الأطفال من مشاركة طعامهم وألعابهم مع الآخرين.
وهذا ما دفعني إلى تغيير نظام حياتنا قليلاً داخل المنزل، وتشجيع أطفالي على مشاركة ألعابهم وطعامهم وممتلكاتهم الشخصية داخل هذه المساحة الآمنة مثلما كنتُ أشجعهم في السابق على مشاركتها مع الأصدقاء المقربين وأفراد العائلة.
وبعد أن أصبح ذلك غير ممكناً في العالم الخارجي، كان علينا اختيار طرق مختلفة لضمان اختبارهم متعة العطاء والمشاركة بأنفسهم.
وأثبتت هذه التجربة نجاحها بوجود الرقابة المناسبة.
الفرق بين المساعدة الطوعية والواجبات الإلزامية
من الصعب أن يستوعب الأطفال مفهوم العطاء بشكل كامل من خلال شرحه لهم بطريقة نظرية فقط. لكنهم عندما يبادرون للتطوع في مساعدة شخص ما أو التبرع بشيء من ممتلكاتهم، فسيلاحظون بلا شك سعادة والدهم ووالدتهم بذلك وسيشعرون بالفخر. فأنا مثلا أطلب من أطفالي تقديم المساعدة في المنزل دون أن أحدد لكل واحد منهم واجبات معينة.
ويحب طفلي الصغير إعداد المائدة لتناول الطعام، ويعتبر ذلك طريقته الخاصة للمساعدة في تحضير العشاء، ويشعر بالفخر جداً بنفسه.
في حين يفضل طفلي الأكبر المساعدة في الطبخ، مثل تحضير وجباتٍ سريعة على الفطور أو العشاء، بالإضافة إلى قراءة القصص لأخيه الأصغر.
فالأطفال يشعرون بالسعادة والفخر عندما يلمسون حاجة الآخرين لهم وعندما تتوفر أمامهم الفرصة لتقديم المساعدة للمقربين منهم.
ويساعد هذا بدوره في تقوية العلاقات بينهم وبين محيطهم وفي فهم احتياجاتهم الخاصة بشكل أوضح. ومن الضروري تعليم الأطفال مفهوم مساعدة الآخرين على أنه روتين اعتيادي ومتكرر في الحياة اليومية نتوقعه منهم ونشجعهم عليه ولا ينتظرون عليه أي مكافأة.
وقت النوم فرصة ذهبية لتعزيز العاطفه
لن أدعي أن وقت ذهاب الأطفال للنوم هو من أسعد لحظات حياتي، فهو كغيره من فترات اليوم يتطلب الكثير من العمل والجهد. وغالباً ما يميل الأطفال للحديث عن كل تفاصيل يومهم قبل النوم لكسب المزيد من الوقت، مما كان يسبب لي الإزعاج في البداية. لكنني تعلمتُ السيطرة على نفسي والاستماع إلى كل ما يريدون قوله حتى لو تسبب ذلك بتأخير موعد النوم 30 دقيقة أخرى.
وأجدُ في قصص ما قبل النوم وسيلة رائعة للتعرف على ردود أفعال أطفالي وتشجيعهم على التعاطف مع شخصيات القصة،.
فأقول مثلاً: "يبدو أن البطة الصغيرة تبكي، هل تعتقدون أنها تشعر بالغضب؟" ثم انتقل وأسألهم مباشرة عن تجربة سببت لهم الشعور بالغضب من شخص ما.
ويمكن للأطفال التعلم بسهولة من قصص الحياة اليومية التي تحكي عن تفاصيل واقعية.
ولاحظتُ أيضاً أن طبيعة مشاكل الأطفال وأهميتها تتغير مع تقدمهم في السن، وأن رغبتهم في الحديث عن كل تفاصيل حياتهم أمام أهلهم قبل النوم لا تستمر مدى الحياة. لذلك علينا نحن الأهل الاستمتاع بهذه التجربة لأطول وقت ممكن لأنها لحظات مميزة جداً تسهم في بناء علاقة صحية وقوية بيننا وبين أطفالنا وتساعدنا على تعليمهم الكثير من القيم الأساسية في الحياة.
التعبير عن التقدير هو أيضاً شكل من أشكال العطاء
لا يمكننا مساعدة الآخرين إلا بعد أن نتعلم أهمية المساعدة التي نحصل نحن عليها. لذلك، يجب تعليم الأطفال التعبير عن امتنانهم للشخص الذي يعتني بهم. وقد يكون ذلك من خلال كتابة رسالة شكر لمن يقدّم لهم الرعاية أو اختيار هدايا لمعلميهم أو تقديم مفاجأة خاصة لجدتهم مثل تحضير الكعك، أو الاتصال بصديق مريض للاطمئنان عليه. فهذه المبادرات البسيطة تساعد الأطفال في التعرف على معنى الاهتمام بالآخرين والاستمتاع بالعطاء ودوره في نشر الفرح بين الآخرين.
تشجيع الأطفال على المشاركة في العطاء
من الصعب على الأطفال بأعمار أصغر من ١٢ عاماً استيعاب مفهوم النقود أو التبرع بها. ولتسهيل شرح هذه المفاهيم، يمكننا أن نشرح لهم عن الملابس والحاجيات التي سنقدمها للجهات المحتاجة وأهمية هذه الحاجيات بالنسبة للآخرين. ويمكننا الاستفادة من حملات التنظيف الموسمية لجمع الأشياء التي لا نحتاجها.
وإذا رأى الأطفال أننا نتبرع بالأشياء التي لا نستخدمها، فمن الأرجح أنهم سيقلّدون سلوكنا.
وقد يكون من الأسهل مشاركة الأطفال الأكبر سناً هذه المواقف لأنهم أكثر استجابة لفكرة إعطاء الملابس للجمعيات الخيرية. أما الأطفال الأصغر سناً فقد يشعرون بالقليل من التردد. ويمكن مثلاً تخصيص يوم لترتيب خزانة الألعاب واختيار القطع التي لا يستخدمها طفلكم للتبرع بها. ولكن إذا بدا عليه الحزن الشديد من فكرة التخلي عن إحدى ألعابه، من الأفضل الإبقاء عليها لوقتٍ آخر واستخدام طريقة مختلفة معه والتركيز دائماً على أهمية الاهتمام بالآخرين والتعاطف معهم.
ولن ننكر في النهاية أن الأطفال يميلون بشكلٍ طبيعي للمشاركة أكثر من الكبار. وكل ما نحتاج لفعله هو مساعدتهم، وليس إجبارهم، على اكتشاف السعادة التي يتسبب بها العطاء لهم وللآخرين.
بقلم لارا حمدان - شريك مؤسس Cloudhoods The Woman Empowerment Platform